قلاقل | هذا الوقت سوف يمضي ..

شِرباك!

وُقِّعتُ شِرباكَ الشِكاكِ الأربَكُ

وظللتُ أكتُبُ والمَكاتِبُ أربَكُ

والحبرُ يشكو من مَمَاسِحِ خطِّهِ

وأصابَ مِقوالِي كلامَ تلَكلُكُ

هلّا مَسَحتَ الخطَّ دأبكَ دائماً

ما دُمتَ تَمسَحُ؟ أم عَزَمتَ تُدربِكُ؟

قلتُ ١: احترت في تسمية هذه المقالة ذات القلاقل الخمس، هل أسمّيها: “ذات القلاقل”؟ أم: “الخَمسُ القُطُوف في غريب المألوف”؟ لكنني انتهيت إلى التأسّي بكتاب الله في أسماء بعض سُوَرِه، إذ سَمَّيتُ المقالة بثاني لفظةٍ فيها، كما سُمِّيت في الكتاب الكريم سورة المطففين وسورة المدّثر بثاني لفظةٍ فيهما.

– “اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ” سورة النمل (28).


قلتُ ٢: المخطئون الغالطون؛ هم عند أهل المعرفة بحقائق الأمور معروفون، وشر أولئك الفئام؛ لا يحصيه الرجل الفصيح بالكلام.

ذات مرة: وجّهتني أمّي حفظها الله بإكمال اللازم في شأنٍ ما وفق خطة تنفيذية أقرّتها بموجب صلاحيّتها في تقدير المصلحة العامة، إلّا أنّني ولعادتي في عدم التقيّد ضمن المناطق الرمادية التي أزهو فيها؛ خرجت عن التوجيه متسوّغاً بما أعرفه من كتاب الحجج الواهية الذي سيجري الحديث عنه في القلقلة الثالثة، لكن النتيجة لم تكن كما توقّعت، بل أنّها عادت عليّ بالسلب على شكل مصيبة رماني بها قوس الحنكة، حتى أنّه لم يراودني الشعور وقتها بأنّني سبيكة ذهب كالعادة، بل راودني الشعور بأنّني سبيكة فحسب، فعدت إلى أمّي بالتقرير الختامي للمهمة متضمناً نتيجة الفشل، لكنّ أمّي لم تُثرِّب عليَّ رغم جسامة الخطأ الذي ارتكبته، وإنّما اكتفت بلومي من خلال التربية بالحكمة كعادتها فقالت: “إذا بليت يا فصيح؛ لا تصيح”.

قادني تصرّف أمّي حفظها الله إلى الإجابة على تساؤلي القديم حيال سر تسامح الناس مع بعض المخطئين وعدم تسامحهم مع بعضٍ آخر رغم تساوي جسامة الخطأ من الاثنين، إذ وجدتُ الجواب في نظرية خزينة المشاعر التي استلهمتها ساعتئذ -أي ساعة اللوم-.

تقول النظرية: عندما ترتكب خطأ ثم يتقبّله من أخطأت بحقه؛ فهذا يعكس بالضرورة أمرين:

‏1- أن من أخطأت بحقه يختزن لك رصيداً كافياً من المشاعر لتغطية الخطأ المرتكب.

2- ‏أن رصيدك من المشاعر لدى من أخطأت بحقه قد نقص بقدر حجم الخطأ المرتكب.

‏لذا فإن تقبل الخطأ هو عبارة عن مصروف من خزينة المشاعر.

– “لِهَوى النُفوسِ سَريرَةٌ لا تُعلَمُ

عَرَضاً نَظَرتُ وَخِلتُ أَنّي أَسلَمُ” المتنبي.


قلتُ ٣: لي صديقٌ مزاجي، لديه حكمة يستشهد بها مع كل قرار مزاجي يتّخذه، فإذا استعجل -مثلاً- قال: “لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد”، لكن اذا استمهل؛ قال: “كل تأخيرة فيها خيرة”، وغيرها الكثير جداً من الحكم، ألّفت بالاشتراك معه كتاباً -لن يرى النور إن شاء الله- أسميناه كتاب الحجج الواهية، أصفه بأنه أدق ما كتب العرب في دراسة التملّص ومظاهره وأسبابه ونحله وطرائقه، وهو جهالة لا تضرّ ان شاء الله.

أذكر مرة أنّه طلب رأيي في مستودع يرغب باستئجاره لأغراض تجارته، فقلت له ممازحاً ومبالغاً في تقدير المستودع: والله إنَّك ستنال من الصلاة فيه عشرة أضعاف الأجر، فرمقني بعينه ممتعضاً من مزاحي في الدين، مع أنّي لم اقل خطأً فالحسنة بعشرة أمثالها في هذا المكان وغيره || أصدقكم القول أنّني لا أملّ من استخدام هذه النكتة في مختلف المواقف رغم مرور سنين طويلة على استخدامي الأول لها في المرحلة الابتدائية هههه.

وبالاستطراد إلى أحاديث المرحلة الابتدائية، ورغم مرور السنين؛ إلا أنّني لا أستطيع أن أتذكّر تلك المرحلة دون أن أتذكّر معلّمي الذي كان ينتقم من أحد أقاربي على حسابي وأنا في الصف الرابع بعد مضيّ أكثر من عشرين سنة على حادثة سخيفة جمعت بينهما!

– “عَلى أَنَّها الأَيّامُ قَد صِرنَ كُلَّها

عَجائِبَ حَتّى لَيسَ فيها عَجائِبُ” ابن زيدون.


قلتُ ٤: احذر الدعاة الوقوف بأبواب جهنم!! قالوا من هم يا علي الغامدي؟ قلتُ: هم أدعياء الذكاء العاطفي.

وهذا التحذير يقودني إلى تحليل سيكيولوجية التذكية العاطفية بين طرفي العلاقة فيها، إذ يبدأ مدّعي الذكاء العاطفي بمدح الطرف المُذكّى ووصفه بما ليس فيه، ثمَّ ترفيعه إلى مكانة لا يستحقها، ثم وضع خابور تحت مكانه المزيّف، فإذا تنبّه المُذكَّى للفخ الذي وقع فيه؛ يجد أنَّ من دونه خابور مهول، فلا يتأتّى له النزول من مكانه المزيّف دون أن يتألّم، فيظلّ عالقاً حتى يُحدث الله بعد ذلك أمرا، هذا إذا تنبّه؛ أمّا إذا لم يتنبّه فالزمان زمانه || جديرٌ بالذكر أنّ التذكية العاطفية لا يسبقها استقبال القبلة ولا تسبقها التسمية بالله والتكبير.

– “إذا بليت يا فصيح؛ لا تصيح” أمّي.


قلتُ ٥: انتهى كلامي رحمني الله.

وهذه خاتمةٌ مُأرجَزَه

لنَختِمَ المقالَ ثُمَّ نُنجِزَه

ما رأيكم أن نصرفَ الأنظارَ

عن أيِّ أخطاءٍ إذا قد صارَ؟

هذا ولم أُسِرُّ ما لمْ أُبْدِ

لكم سلامي دُمْتُمُ بِوُدِّ

أضف تعليق